موقع أموال مصر
سلط مركز المعلومات دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء على تطبيق شات جي بي تي “ChatGPT”، مشيرا إلى أنه منذ إطلاق التطبيق في نوفمبر 2022، استطاع جذب أكثر من 100 مليون مستخدم، كما وصلت القيمة السوقية للشركة الأمريكية المطورة له “OpenAI” نحو 30 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي يجعله أسرع التطبيقات نموًّا في التاريخ.
وفي هذا السياق، جاء إعلان شركة “OpenAI”، في 14 مارس 2023، عن إطلاق النسخة الجديدة “GPT-4″، وهي النسخة المحسنة من نموذج “GPT-3.5” التي بني عليها روبوت الدردشة “ChatGPT”، وتتمتع هذه النسخة الجديدة بالعديد من القدرات المتطورة مقارنة بالقديمة، ونظرا للقدرات المذهلة التي يتمتع بها التطبيق، فقد أثار جدلا واسعا.
كما طرح العديد من التساؤلات حول ماهية التطبيق، والفرق بين “GPT-3.5” و”GPT-4″، وآلية عمله، ومدى أهميته، وأبرز استخداماته، إلى جانب انعكاساته على نمط حياة البشر والمجتمعات، وذلك من حيث تأثيراته على مجال التعلم البشري والبحث، وعملية صنع القرار، ومعايير الحوكمة، وكذا تأثيره على مستقبل الوظائف وفرص العمل، وأخيرًا المخاطر المحتملة على الأمن القومي للدول.
وأشار مركز المعلومات إلى أن روبوت الدردشة “ChatGPT” يعمل بمنظومة “GPT” التي تعد أحد النماذج اللغوية الكبيرة “Large Language Model” أو الخوارزميات التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي الأكثر تنوعا ومرونة وقدرة على التنبؤ من بين النماذج المختلفة، حيث أنه مدعوم بالتعلم الآلي، وكميات هائلة من البيانات والمعلومات، مما يمكنه من إجراء المحادثات بطريقة واقعية مع المستخدمين والرد على جميع الاستفسارات والتساؤلات المعقدة التي يطرحونها عليه، علاوة على تمكنه من كتابة وتأليف النوتات الموسيقية، وكتابة الأكواد البرمجية، وحل المعادلات الرياضية، وكتابة الروايات والقصص والأشعار والمقالات والأطروحات والرسائل العلمية، فضلا عن إمكانية استخدامه من قبل العلماء لترجمة أعمالهم الأصلية من لغتهم الأم إلى اللغة الإنجليزية.
وتتمثل آلية عمل تلك التقنية الجديدة في تجميع عدد هائل من البيانات من المصادر الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ثم تقديم الإجابات والردود المناسبة على الأسئلة التي يتم طرحها في خلال ثوانٍ قليلة، الأمر الذي يمكن اعتباره إحدى نقاط التحول الكبيرة في تاريخ البشرية الحديث.
يذكر أن الشركة المطورة “OpenAI” تزعم أن النموذج الجديد “GPT-4” يتميز عن سابقه بأنه أكثر إبداعية ودقة في المعلومات وأقل تحيزا “less biased”، وتتمثل أهم الاختلافات في أن النموذج الجديد “GPT-4″ نموذج متعدد الوسائط، إذ يملك القدرة على تحليل النصوص والصور في الوقت نفسه، مما يسمح للمستخدمين بطرح أسئلة حول الصور التي يدخلونها، كما يتميز بقدرته على القيام ببعض العمليات المنطقية الأساسية من قبيل تلخيص النصوص والمقالات، وكذلك يمتلك النموذج الجديد شخصيات متنوعة أو ما يسمى بـ”القابلية للتوجيه” “Steerability”، والتي تعني قدرته على تغيير سلوكه وطريقة حديثه، مقارنة بـ “GPT-3.5” الذي يتسم بالثبات سواء في الأسلوب أو النبرة، وبالإضافة إلى ذلك يتميز نموذج “GPT-4” بالقدرة على معالجة عدد أكبر من البيانات والمعلومات المدخلة إليه.
وأشار مركز المعلومات إلى تعدد استخدامات “ChatGPT” في مختلف المجالات، حيث يمكن استخدامه في الكتابة والتأليف والترجمة وتحرير النصوص، وذلك بالنظر إلى قدرته على اكتشاف الأخطاء اللغوية والنحوية، هذا بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في مجال التسويق والدعاية وصناعة المحتوى، من خلال قدرته على إعداد الحملات الإعلانية والدعائية بطرق إبداعية، علاوة على استخدامه في معرفة أبرز التطورات والمستجدات في مجال تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلا عن تميز التطبيق بقدرته على القيام بمهام الدعم الفني، وتصميم وبرمجة وتطوير مواقع الويب، وكذا يمكن أن يساعد “ChatGPT” في جدولة المهام والتخطيط وإدارة الوقت.
وتكمن أهمية “ChatGPT” في قدرته الهائلة على التعامل مع مجموعة واسعة من الموضوعات وأنماط الكتابة المتنوعة، وكذا الإجابة على التساؤلات المعقدة، وتقديم الإِرشادات التي تسهم في حل المشكلات في المجالات المختلفة، لكن بالرغم من ذلك يتعين الحذر عند استخدام التطبيق سواء كان من خلال “GPT-4” أو “GPT-3.5″، وذلك في ضوء تأثيره على التعلم البشري والبحث، حيث أن تطبيق “ChatGPT” وكل أدوات الذكاء الاصطناعي، لا تنطبق عليها العوامل والشروط التي تنطبق على البشر في عملية التعلم والبحث، والتي تتمثل في التجربة والخطأ والتصحيح والاستنباط، بالإضافة إلى العوامل النفسية الأخرى، كما أنها لا تخضع للقيود البشرية، وعلى رأسها قيود الزمن والجهد والمرض والراحة، فقد يدفع هذا الأمر البشر إلى الاعتماد الكلي والاتكال على الآلة والأدوات الرقمية فيما يتعلق بعملية التعلم والتفكير والبحث وجميع الأنشطة الحياتية الأخرى، وهو ما قد يؤدي بالتبعية إلى تقليص وتعطيل قدرة البشر على حفظ المعلومات أو بذل الجهد المطلوب في البحث والتعلم، ومن ثَمَّ إبداع الأفكار والنظريات الجديدة.
وفي هذا السياق، تبرز الانعكاسات المتعلقة بتأثير تطبيق “ChatGPT” على عملية التعلم والبحث في قطاع التعليم على مستوى العالم، في اتجاه عدد كبير من الطلاب والمعلمين في الآونة الأخيرة نحو الاعتماد على الـ”ChatGPT” في العملية التعليمية فضلًا عن استخدامه من قِبل البعض كوسيلة للغش في الامتحانات أو”الانتحال العلمي”، فقد أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة “والتون فاميلي آند إمباكت ريسيرش” الأمريكية، أن “51%” من المعلمين والعديد من الطلاب يستخدمون “ChatGPT” في المدارس هناك، كما وجد استطلاع آخر شمل 1000 كلية أمريكية أن 30% من الطلاب استخدموا “ChatGPT” في المهام أو الواجبات الكتابية، هذا وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد الباحثين على تقنيات وقدرات “ChatGPT” في تأليف وكتابة المقالات والتقارير والبحوث العلمية، قد يتسبب في نشر معلومات خاطئة، فضلًا عن كونه سيشكك في الأبحاث والعلوم المنشورة على المستوى الأكاديمي.
وعلى الرغم من هذه السلبيات السابقة، فإن “ChatGPT” ينطوي على العديد من المزايا المهمة على صعيد تسهيل عمليات البحث العلمي، حيث من المتوقّع أن يتزايد الاعتماد عليه لمساعدة العلماء على اكتشافات جديدة، وتحليل البيانات، وتحسين التجارب، كما سيوفر الجهد والوقت على الطلاب والباحثين في كتابة أوراق البحث العلمي بعدة طرق منها كتابة النص أو تلخيصه أو ترجمته في فترة وجيزة وبدقة كبيرة، فضلًا عن قدرته على مراجعة الأدبيات السابقة، مما سيسهم في تعزيز جودة وكم الإنتاجية الفكرية والعلمية.
أما عملية صنع القرار ومعايير الحوكمة، فإنه على الرغم من الذكاء والكفاءة التي تتمتع بها تقنية الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ “ChatGPT” في توليد الأفكار واتخاذ القرارات وتخفيف عبء الأعمال والحد من البيروقراطية من خلال تسريع المهام الروتينية والآلية، فإنه ينطوي على بعض المخاطر المتعلقة بإمكانية تقويض دعائم ومعايير منظومة الحوكمة، سواء داخل الحكومات أو الشركات والمنظمات، وهو ما يسمى في النظم الاجتماعية بـ”الجوقراطية” “Algocracy”، حيث يتم استبدال خوارزميات الذكاء الاصطناعي بالسياسيين وصناع القرار، بحيث يتم استخدام تقنية “التعلم الآلي” الموجودة بـ”ChatGPT” لإنشاء نماذج وحلول تنبؤيه من أجل اتخاذ القرارات بشكل سريع أو ما يُعرَف بـ “Predictive Governance”.